أقلام التلفزيون

سنة أولى ماراتون

عين جارية - يكتبها: احميدة عياشي

كان أول ماراتون لي في عام 2014… لم أحضّر له جسديا ولا نفسيا. ومع ذلك استولت علي فكرة خوضه بينما لم يكن قد مرّ على ممارستي رياضة الركض سوى عام ونصف. كانت مسافة الـ42 كلم غامضة بالنسبة إلي. هل سأنجزها إلى النهاية أم أتوقف في البداية؟

في الحقيقة لم يكن ما يهمني هو الـ42 كم بل خوض التحدي واكتشاف حدود طاقتي الجسدية والذهنية. توجهت نحو محل للألبسة الرياضية واقتنيت لوازم الجري ولم يغمض لي ليلتها جفن، فلقد كنت متوترا وحاولت اليسطرة على مشاعري دون جدوى، وكان ذلك الشعور الذي يجتاحك قبل السباق جديدا بالنسبة إلي. وعندما غادرت البيت صباحا رافقتني زوجتي واتجهنا نحو نقطة الانطلاق التي لم تكن بعيدة عن شقتنا الكائنة بشارع حسيبة بن بوعلي.

كان يوما ربيعيا رائعا، وكانت النسخة من ماراتون الجزائر الدولي هي الثانية، وللأسف فإن الماراتون سيعرف دورة أخرى ويتوقف. كنت سعيدا لأن زوجتي كانت بجانبي، وكان ذلك وحده يمنح التصميم والاصرار على خوض معركة الماراتون. التقيت قبيل الانطلاق بزميلة من الشروق وسألتني عما تعني لي تجربة الماراتون، أن أحاول جري 42 كلم… قلت لها إن ما يهمني هو اختبار تحربة الحدود والعمل على دفعها إلى أقصى نقطة ممكنة.

شعرت بكل القلق الذي كان يساورني قد تداعى ما أن أُعطيت إشارة الانطلاق. كنت أجري من مقر ولاية الجزائر العاصمة ومرورا بشارع حسيبة وحي بلكور ورويسو وخروجنا إلى الطريق السيار، وعندئذ شرعت أكتشف الطرقات من جديد. كان الفرق كبيرا أن نمر بها على متن سيارة وبين أن نعيشها ونحن نواجه سلطة المسافة ونتحدى العقبات ونحن نبذل تلك الطاقة الخارقة من أجل مواصلة التحدي وتحمل ذلك التعب الذي يرزح به ظهرك وأنت تحاول أن تجري باحثا عن تلك النقطة الكامنة فيك والمفجرة في أعماقك، تلك القوة النائمة التي تنتظر استفزازك وتحريكك لموجها الذي يجعل منك محور الإيجابية ليس فقط بالنسة إلى جسدك، وإنما كذلك بالنسبة للأفكار التي تنتظر تحررها وسريانها وتجليها فيك.

في الكيلومتر ال15 شعرت بقواي تخونني ورجلي تتثاقلان لكن قوة داخلية كانت تحرضني على المقاومة والتحمل ..البعض ممن كانوا يتجاوزونني كان يطلقون كلمات التشجيع التي تشد من إزري ..وفجأة شعرت أن قمة قوة تدفعني لمواثلة السباق بصورة أكثر حماسة واصرارا ومع الكيلومتر ال17 بدأت قواي تخذلني زفي ال25 توقف في كل شيئ..شعرت بتصلب في العضلات وشلل يستولي علي..شاب بجانبي شجعني على مواصلة السباق ..حاولت لكنني كنت أعاني وانبعث بداخلي صراع بين قوتين الأولى تؤازرني وتدفع بي لأواصل والثانية تقف في وجهي وتقول لي..توقف..كنت أعرق..اسعر بالعطش برغم تناولي طيلة الكريق لكنية معتبرة من الماء..وفجأة استسلمت. .سعرت بالغضب تجاه نفسي..حاولت أن أمشي قليلا لأستأنف السباق لكن ذلك لم يستمر طويلا..كنت أنظر من حولي الى الاهرين وهم يقاومون..توقف أمام الباص وقال لي السائق (تصعد؟ ) سعرت بالخجل..لكنني استسلمت وصعدت..كان في الباص عدد من الذين استسلموا..كان يتحدثون ويبحثون عن الاعذار لكنني بقيت صامتا متأملا ومفكرا في تلك التجربة التي كانت لازالت تنبض بداخلي..قاومت الكلام والتبرير ثم قلت لنفسي وأنا اغادر الباص لاقف عند نقطة الوصول منتظر أبطال الماراتون..وشيئا فشيئا اكتشفت أنني كنت سعيدا لان توقفي لم يكن فشلا واستسلاما بقدر ما كان اكتشافا لحدودي الموضوعية وذلك ما كان يهديني الى العمل استعدادالتحدي الحدود..وتجاوزها بضريبة العمل والعرق والشجاعة وتحمل المعاناة ..لم يكن الوقت الذي استغرقته بل ما كان يهمني هو ذلك الانجاز الذي حققته ضد نفسي..نعم لقد جريت ضد حدودي وهذا أهم درس يمكن ان نتعلمه من سباق الماراتون..بعد عامين خصت ماراتون باتنة وانجزته برغم بصعوبته ..

اننا كلما جعلنا من اكتشاف الحدود قضيتنا نكون قد اهتدينا الى الطريق; الذي يفتح أمامنا باب النجاح الرمزي الذي ندشن به المعنى من وجودنا والعيش; مع بعض

بالجري نستطيع قهر كورونا ليس فقط كداء بل كتمرن على العيش معها وضدها في نفس الوقت مع الاحتفاظ بذلك الانسان المرح،الحي،المتحمل لكل ماهو شاق وذلك للوصول الى نقطة السعادة التي نشع من خلالها على أنفسنا وعلى غيرنا
ذلك هو الدرس الذي علمتني إياه تجربة التعثر في أول ماراتون لي…

احميدة عياشي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى