أقلام التلفزيون

هل للسن حد ؟!

عين جارية
بقلم احميدة عياشي
من منا لم يجر وهو صغير،فالجري يكاد يكون جزءا من حياتنا وذاكرتنا وثقافتنا،لكن سرعان ما تتحول نعمة الجري العفوي إلى مجرد ذكرى خاملة يعلوها غبار النسيان مع تقدمنا في السن ليصبح الجري رغبة مستحيلة التحقيق مع تعود الجسد على الخمول والانكماش والاستسلام لعادة السكون وسلطة الرتابة.
ما أن نتجاوز سن الاربعين حتى يتحول الجري إلى استحالة،ويبقى التفكير في العودة إليه بالغ الصعوبة ما يجعل الجسد معرضا لتحديات المرض الذي يحد من طموحاتنا البيولوجية والروحية،ويفرض علينا نظاما يفقدنا القدرة على التمتع بنعمة الحياة ويضعنا في قفص اللاحركة والاستسلام للتناول المضر بصحتنا للأدوية.
أقول مثل هذا الكلام لأن الكثير من الاصدقاء والمعارف لا يكفون عن التعبير عن إعجابهم بإرادتي من تحولي من رجل مترهل ،يقترب بسرعة من الشيخوخة المبكرة إلى كهل مليئ بالحيوية والنشاط وعامر بالشباب،وفي الحقيقة كان مثل هذا الاطراء بقدر ما يملأني بطرا خفيا يجعلني اكتشف حقيقة لم تكن تخطر من قبل على بالي،وهي أن ما قمت به لا يعد استثنائيا وصعب التحقيق وإنما هو آمر عادي بإمكان كل واحد منا القيام به بشيئ من اعادة ترتيب حياتنا اليومية وبالتالي التغيير الهادئ والسلس لعاداتنا والانتقال من دائرة اللغة التسويفية إلى الفعل الذي لا يتطلب أي تأخير أو تبرير أو عذر.
عندما قررت في ذات يوم أن أغير عاداتي التي تحولت إلى إعاقة تحول بيني وبين تذوق نعمة الحياة في أشكالها المختلفة وألوانها المتنوعة،والعمل على التخلص من آثار التعب اليومي الذي صار ينهكني ويعكر صفو حياتي وعلاقاتي،أشتريت ثوبا رياضيا وباسكيت واستعنت بصديق ليكون معلمي ودليلي في الجري حوالي خمس وعشرين دقيقة ثلاث مرات في الاسبوع،ليفتح لي هذا الانغماس في الفعل أبوابا فتحت أمامي عوالم لم أكن قادرا على اكتشاف طرقها وغاباتها ومناظرها وحيواتها لو لم أقفز مباشرة من الركود الى الفعل والحركة.
اكتشفت فيما بعد وفي وقت قصير أنني كنت قاب قوسين من أمراض كانت تتهيأ للقضاء علي،واكتشفت قوة داخلية كانت على شفا الانهيار والتفتت تمكنت بفضلها استعادة جسدي وفكري وقدرتي على ممارسة الحياة،وبدأت صورتي الجديدة تتشكل يوميا في نظر محيطي القريب والبعيد،،بدأت أجري بصعوبة خمسة كيلومتر لأجدني بعد خمس سنوات أخوض معركة الالترا ماراتون،(100كم)في مدة 13 ساعة.
توقفت عن الجري وأنا دون العشرين،دخنت اكثر من ثلاثين سنة،وعد إلى الجري وعمري 55 سنة وها أنا آتجاوز سن الستين لاكتشف من جديد شباب الحياة في اعماقي وجسدي واكتشف لا حد للسن عندما نقرر استعادة الحياة النابضة والخصبة بواسطة الجري
بقلم احميدة عياشي
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى