أعلام ومعالم

المفكّر الجزائري مالك بن نبي

مالك بن نبيّ، مفكّر جزائري له إسهامات كبيرة في الفكر الإسلامي الحديث، وفي دراسة المشكلات الحضارية، حيث أسّس لعدّة مفاهيم فلسفية واجتماعية اعتبرت سابقة في عصره.

ولد مالك بن نبي في 1 جانفي سنة 1905، بمدينة قسنطينة شرقي الجزائر في أسرة محافظة، لأب موظف بالقضاء الإسلامي بمدينة تبسة، ووالدة تشتغل بالحياكة.

كانت بداية دراسته في أحد كتاتيب ولاية تبسة في الجنوب شرقي البلاد، موازاة مع تعليمه الابتدائي في المدرسة الفرنسية، وبعدما أنهى تعليمه الإعدادي، ونظرًا لتفوّقه الدراسي، حصل على منحة دراسية، ليزاول تعليمه الثانوي في مسقط رأسه بقسنطينة إلى غاية تخرّجه سنة.
شكّلت مدينة قسنطينة، التي كانت معهدًا للعلوم الإسلامية في تلك الحقبة، بداية انفتاحه على مختلف الثقافات، فسافر بعد تخرّجه سنة 1925 إلى فرنسا، ولكنّه عاد إلى مدينته التي نشأ فيها بعد تجربة قصيرة.

اشتغل مالك، في مدينة تبسة، مساعد مكتب في محكمة المدينة لفترة من الزمن، وفي عام 1927 التحق بمدينة آفلو بولاية الأغواط للعمل في محكمتها.

في سنّة 1928، تعرّف بن نبي على الشيخ عبد الحميد بن باديس، رائد الحركة الإصلاحية في الجزائر، ومؤسّس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وفي فرنسا اهتمّ بمشكلات أمته ووطنه، مدفوعًا بشغفه في تحليل الحضارات وتطوّرها.

عاد مرّة أخرى إلى فرنسا لمواصلة دراسته سنة 1930، ولكنّه لم يتمكّن من الالتحاق بمعهد الدراسات الشرقية، فانتسب إلى مدرسة اللاسلكي وحصل على شهادة مهندس في الكهرباء سنة 1935.

في فرنسا، انخرط بن نبي في النشاط الفكري والسياسي بين الجزائريين المغتربين، وتعرّض للاستجواب من طرف الشرطة الفرنسية، بعد إلقائه أوّل محاضرة هناك بعنوان “لماذا نحن مسلمون؟” في أواخر ديسمبر 1931.

أثناء دراسته في فرنسا، تعرّف مالك بن نبي على زوجته الفرنسية التي أطلقت على نفسها اسم خديجة بعد إسلامها، لكنّه لم ينجب منها، وفي هذه الفترة، ألّف الشاب عدّة كتب ومؤلّفات.

كان مالك بن نبي، من بين مؤسّسي “جمعية الوحدة المغاربية” ومثلًا عن الجزائر فيها، تحت إشراف الأمير شكيب أرسلان، وفي مارسيليا أشرف على “المؤتمر الجزائري الإسلامي”.

هرب من فرنسا إلى مصر بعد اندلاع الثورة الجزائرية وأقام بالقاهرة، وتزوّج مرّة ثانية في عام 1956، واستغلّ هذه الفترة للدفاع عن ثورة التحرير بقلمه وفكره.

بعد عودته إلى الجزائر سنّة 1963، تقلّد مالك بن نبّي عدة مناصب أكاديمية، أهمها منصب مستشار للتعليم العالي، ومدير لجامعة الجزائر، ثم مدير للتعليم العالي، إلى أن غاية استقالته عام 1967، ليتفرّغ للتأليف والكتابة.

اهتمّ مالك بن نبي، بمجالي النهضة والدراسات القرآنية، فأثرى قاموس الفكر الإسلامي بالمصطلحات والنظريات، وقدّم إسهامات بارزة في تجديد الفكر الإسلامي المعاصر، وصاغ نظريّته في علم الاجتماع على مبدأ الفاعلية والتصدّي، أو ما أسماه القابلية للاستعمار، وهي أبرز النظريات التي اشتهر بها.

لمالك بن نبي، أكثر من ثلاثين مؤلّفًا في الفكر وعلوم الاجتماع، منها “الظاهرة القرآنية” عام 1946، و”شروط النهضة” سنة 1948، و”النجدة…الشعب الجزائري يُباد” سنة 1957، و”الصراع الفكري في البلاد المستعمَرة” عام 1959.

نُشر له بعد وفاته كتابان، هما “دور المسلم ورسالته في القرن العشرين” عام 1977 و”بين الرشاد والتيه” عام 1978.

توفي مالك بن نبي في الجزائر، يوم 31 أكتوبر 1973، ودُفن في مقبرة سيدي امحمد بالجزائر العاصمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى