أقلام التلفزيون

موراكامي الذي يكتب ويجري

عين جارية - يكتبها احميدة عياشي

هاروكي موراكامي، يكتب ويجري منذ سنوات. اكتشفت “الغابة النرويجية”، اشتريتها عن طريق الصدفة في بيروت عام 2008 في زيارتي لمعرض الكتاب، بل ليست صدفة، لقد لفت نظر شاب كان يقف وراء طاولة وكرسي صغير، فسألني وهو يقدم لي الرواية، بعد أن رآني محملا بعشرات الروايات المترجمة من لغات شتى إلى العربية، (هل قرأت موراكامي؟) فأجبت بالنفي، وكأنه اكتشف شيئا ما بداخلي فقال دون تردد (أهديك هذه الرواية وستحبها، متأكد من ذلك)، حاولت أن أدفع لكنه اعترض، قرأت الرواية دفعة واحدة وعندما عدت إلى الجزائر رحت أبحث عن الكاتب الياباني في كل مكتبات الجزائر العاصمة فاهتديت إلى كتاب (أتو بورتري كاتب عداء) وهو أقرب إلى اليوميات يروي فيه تجربة فذة، في الكتابة والجري، قلت لنفسي (الجري؟!) أجل وكررتها مرات كثيرة، “الجري”، كان الكتاب بالفرنسية، استولى عليّ من أول صفحة، لم يعد بيني وبين موراكامي كلفة، أثار عالمه عالمي، وهوسه بالماراتون هوسي، هل يعود ذلك لآني كنت أجري وفي الوقت نفسه أمارس الكتابة في مجال الصحافة والأدب؟

ربما، لكن وحده هذا ليس بكاف، لقد منحني الكتاب القدرة على وعي التجربة التي كنت أعيشها منذ سنوات ومكنني من إعادة امتلاكها جماليا ومعرفيا وهنا تساءلت بيني وبين نفسي، لماذا يخلو أدبنا العربي من الجري عموما ومن الرياضة على وجه الخصوص نادرا إما شخصية الرياضي أو تيمة الرياضة في إبداعاتنا العربية أو قل نادرا ما نجد الأدب من رواية وقصة استثمر في الجري أو في أي أنواع آخرى من الرياضة منذ سنوات بعيدة قرأت للكاتب الجزائري الكبير رشيد بوجدرة رواية جميلة تجري آحداثها في زمن الثورة وفي ملعب عندما قام فدائي جزائري بتنفيذ الإعدام في خائن جزائري، لكن هذا الاستثناء يؤكد القاعدة العامة وهو مجافاة الأدب للرياضة عموما وللجري على وجه الخصوص إن الجري وأصنافه من السباق في المضمار المتراوح من مائة متر إلى العشرة آلاف متر إلى الماراتون يمثل الحياة في تحديها وقوتها وزخمها فكيف يتجاهله الكتاب؟!

لقد كان شاعرا مثل الشنفرى ليس فقط من ذكر “الجري” في أشعاره بل كان هو نفسه عداء كبيرا ومضرب المثل في قوة السرعة فكيف لم يكن ملهما للكتابة الأدبية وللروائيين والشعراء في تبني الحرية كثقافة ورؤية وفلسفة ومتعة يمكن أن تمنح الأدب روحا جديدا ونكهة خاصة؟!

نحن اليوم بحاجة إلى أدب يمرح، يتنفس وملتصق بالحياة، نحن بحاجة إلى أدب يجري فالأدب الذي لا يغادر المكتب وغرفة النوم، قد نلقاه اليوم أو غدا في أحسن الأحوال موبوء وبدون حياة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى