ثقافة

وردة الجزائرية.. أميرة الطرب العربي في ذكرى رحيلها

مع أنها جزائرية الأصل والجنسية، إلّا أن وردة الجزائرية التي تحلّ ذكرى رحيلها الثامنة غداً الأحد، كانت عابرةً للحدود والبلدان؛ فهي من أب جزائري وأم لبنانية، ومن مواليد فرنسا، وتدين بشهرتها إلى مصر التي شهدت ميلادها الفنّي على مرحلتين مختلفتين من الزمن.

ورغم أنّ وردة فتوكي، وهو اسمُها الحقيقي، لم تُغنّ للسياسة إلا عندما يتعلّق الأمر ببعض المناسبات الوطنية والقومية، عندما شاركت في نشيد “الوطن الأكبر” (1960) لمحمد عبد الوهاب رفقة نخبة من الفنّانين العرب، وعندما غنّت في عيد استقلال الجزائر أكثر من مرّة، إلّا أن لها حكايات من زعماء سياسيّين، كان لها تأثيرٌ واضح على مصيرها الفنّي.

في باريس، تعلّمت وردة (1939 – 2012) الموسيقى بإشرافٍ من المغنّي التونسي الراحل الصادق ثريا، وادّت أغانيَ لكلّ من أم كلثوم ومحمّد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ، قبل أن تؤدّي أغاني خاصّة بها من ألحان ثريا.

وعندما انتقلت إلى القاهرة مطلع الستّينيات، كان الزمنُ زمن الثورة التحريرية الجزائرية (1954- 1962). وبعد تجارب فنّية ملفتة، وصلت شهرتها إلى حدّ تدخل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر من أجل إشراكها في أوبريت “الوطن الأكبر”؛ حيث أُضيف مقطعٌ خاصّ بها لم يكن موجوداً في النص الأصلي.

ومثلما دفع عبد الناصر باسمها إلى الأمام، تدخّل مرّةً أخرى ليبعدها عن مصر ويمنعها من دخولها، ويتسبّب في توقّفها عن الغناء لمدّة قاربت عشر سنوات، بسبب لقائها بالمشير عبد الحكيم عامر في بدمشق.

وفي الجزائر، تزوّجت وردة مع مسؤول في الدولة، وأجبرها على البقاء في البيت، ولم تكن تغنّي إلّا في المطبخ أو مع صغيريها مثلما كانت تقول. كانت تعتقد أنها النهاية، إلّا أنّ القدر كان يخبئ لها أشياء أخرى دفعتها إلى ميلاد فنّي ثاني مع الرئيس الجزائري الرحل هواري بومدين.

بعد سنتَين من رحيل جمال عبد الناصر عام 1970، وبينما كانت الجزائر تستعد لإحياء الذكرى العاشرة لاستقلالها، لم يجد بومدين أحسن من وردة للغناء في تلك الذكرى. طلب رقم هاتف بيتها، وكلّمها بنفسه، طالباً منها ان تُسلّم السمّاعة لزوجها، وعندما فعلت أمره بأن يترك زوجته تغنّي للجزائر.

وبعد احتفالات الخامس من جويلية 1972، التي شهدت ميلاد وردة الثاني، خيّرها زوجها بين الفنّ والعلاقة الزوجية، وعندما اختارت الفن، عادت بعد فترةٍ إلى القاهرة في زمن أنور السادات، وبدأت مرحلةً جديدة من مسيرتها الفنّية. وكانت انطلاقتها الحقيقية بأغنية “أوقاتي بتحلو” (1979) مع الملحّن سيّد مكاوي الذي كان يحتفظ بالأغنية التي كان يُفترض أن تؤدّيها أم كلثوم عام 1975، لكنها رحلت قبل ذلك؛ حيثُ اكتشف الجمهور قدرات وردة الحقيقية وتأكّدوا أن زمن الطرب العرب الأصيل لا يزال مستمرّاً بفضلها، وقد اعتقدوا انه انتهى برحيل “كوكب الشرق”.

وقدّمت وردة عشرات من الأعمال الموسيقية التي تعاملت مع كبار الملحّنين في مصر؛ مثل سيّد مكاوي، ومحمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش، ورياض السنباطي، وعمار الشريعي، ومحمد القصبجي، ومحمد الموجي، وكمال الطويل، وبليغ حمدي، وصلاح الشرنوبي، وحلمي بكر.

كما شاركت في عدّة أفلام من بينها: “ألمظ وعبده الحامولي” (1962)، و”أميرة العرب” (1963)، و”صوت الحب” (1973)، و”حكايتي مع الزمان” (1974)، و”آه يا ليل يا زمن” (1977)، و”ليه يا دنيا” (1994)، وشاركت في مسلسلات تلفزيونية هي: “أوراق الورد”، و”الوادي الكبير”، و”آن الأوان”.

رحلت “أميرة الطرب العربي” في القاهرة في السابع عشر من ماي 2012 بعد إصابتها بأزمة قلبية، ودُفنت في الجزائر التي غنّت لها وظلّت تردّد في أيامها الأخيرة رغبتها في العودة إليها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى