تكنولوجيا

الرقمنة ورهان الأتمتة

بقلم: نبيل عثمانية

لا يختلف اثنان في أن الإنسان لطالما سعى إلى تسخير ما حوله لخدمته ولتذليل حياته اليومية ، مغذيا بذلك احتياجاته الطبيعية والغرائزية والنفسية خاصة، وتوالت الابتكارات والاختراعات عبر العصور، حتى أنه من تلك العصور ما حمل أسماء ربطت بوثاقة بالإبداع البشري كعصر النور أو عصر النهضة وصولا إلى عصر الرقمنة والتكنولوجيا الحديثة.

إن راحة الإنسان جعلته يسخر عقله ومعارفه كلها في سبيل ذلك ، ولما كان التنقل برا جزءا لا يتجزأ من حياة البشر منذ العصور الأولى، بحث في إيجاد طرق أكثر راحة وبديلة للرجلين ذات السرعة المحدودة والمتعبة والخطيرة أيضا، فبدا بتسخير الحيوانات ثم اخترع العجلة التي أحسبها شخصيا أهم اختراع في تاريخ البشرية ، فالعجلة التي ربطت بالحيوانات بداية دفعت بعقل الإنسان إلى التفكير في المحركات وفي أنواع الطاقات المختلفة ثم الطيران ، ثم تجرأ على التفكير في التنقل عبر الزمن عبر زيادة سرعته ، ولما وجد ذلك مستحيلا علميا ، لجأ إلى ابتكار وسائل أخرى للاتصال بدل التنقل الشخصي، وهنا ظهرت وسائل الاتصال المختلفة، من التيليكس والفاكس إلى الهاتف إلى الهواتف الذكية والأقمار الصناعية ، مجيبا على سؤال واحد مربوط بالتنقل ، كيف أكون هناك وأنا هنا ؟ أوكيف أكون هنا وأنا هناك ؟ تصورات كانت تبدو صعبة في البداية لكنها فاقت الخيال اليوم بما نراه بين أيدينا جميعا، وهي في تطور رهيب ومستمر .

عمل العقل البشري على تطوير الخوارزميات بأشكال مرعبة ، وهو يسعى دائما إلى تذليل ما حوله خدمة له ، بعد الثورة التكنولوجية ، جاءت رقمنة الحياة اليومية لأتمتة المتطلبات اليومية الفردية والجماعية وتسهيلها – أي جعلها أوتوماتيكية – ولإيجاد بدائل عن الإنسان نفسه ، بخصائصه الطبيعية التي تحول دون السير الحسن للشؤون العامة والخاصة ، كالمزاجية والعصبية و الجهوية وتفاوت المستويات التعليمية للأفراد المسيرين أو غيرها من خصال البشر التي صنعت الإطار البيروقراطي المدون على الورق.

ثم جاء الذكاء الصناعي ليملأ فراغات أخرى ، تركتها الرقمنة والإدارة الالكترونية ، فدخل هذا المنتج الباهر إلى العديد من التخصصات ، وقلص الاعتماد على الإنسان فيها ، كما يعطي نتائج أقرب إلى الدقة من تلك يقدمها العقل البشري نفسه ، رغم أنها تعتمد على المعطيات التي يزودها بها المبرمجون والمطورون .

قد يعاب على هذه الابتكارات في مجتمعاتنا البشرية التي مازالت تتمسك بالكلاسيكية النمطية ، انها تهدد الكثير من المهن ومناصب العمل ، إلا أن الحقيقة أنه يمكن توفير تخصصات أخرى تسايرها في مجالات حديثة لا مناص منها ، كالبرمجة والروبوتيك ، والتسيير الرقمي وجمع البيانات و هي أفق واسعة في سوق العمل للسنوات القادمة ، كل ما يجب فعله هو تحيين المنظومات التعليمية من الابتدائية إلى الجامعية ، وهو ما يحدث فعلا في الكثير من دول العالم .

يقول المفكرون إن شعوب العالم الثالث – وهو مصطلح ازداد مرونة في عصر الذكاء الاصطناعي – إنها تسبق حكوماتها في التفكير ومواكبة التطورات الحاصلة في زمن العولمة خاصة ، ونقول إن الدولة إذا واكبت تطور شعبها أو سبقته فقد دخلت في نسق الدول الكبرى التي تضع الاستراتيجيات وتعتمد على الاستشراف ، بل وتراهن على العنصر البشري كمكون رئيسي ورافد أساسي للمجموعة الوطنية ، حتى تضمن توازنها الداخلي وقوتها في المنظم الدولي.

بقلم: نبيل عثمانية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى